ذكريات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

«جائع» أم «صائم»؟ مصطفى الراسيالمساء : 09 - 08 - 2011

اذهب الى الأسفل

«جائع» أم «صائم»؟      مصطفى الراسيالمساء : 09 - 08 - 2011 Empty «جائع» أم «صائم»؟ مصطفى الراسيالمساء : 09 - 08 - 2011

مُساهمة  طعم العسل الأحد فبراير 26, 2012 6:02 am



رأيت اليوم شيئا مرعبا، شابان يتخاصمان وسط السوق بسلاح أبيض أقرب إلى السيف منه إلى سكين الذبح، وانقسم الناس حولهما مجموعتين، مجموعة تمسك الأول وأخرى تصد الثاني،
تاركين كلاما ساقطا يعلو في المكان يصدر عن المتخاصمين، يملأ الجو بسحابة قاتمة من الفظاعة والوضاعة والدونية، سحابة ترسو كالوقر في آذان الشهود، فتترك تلوثا أشبه بما تخلفه عوادم الحافلات المهترئة على الإسفلت. استغربت عدم اكتراث الناس من حولي لهول المنظر، بل قال لي أحدهم: «هذا عادي يا أخي في رمضان...»، فهل هي قدرة المجتمع الخارقة على التحمل؟ تحمل هذا الكم الهائل من الأذى دون الوقوف من أجل التغيير أم إنه تبلد الإحساس الجماعي عندما تهوي القيم والأخلاق؟ لقد حرك فيّ هذا المشهد في أول يوم من رمضان مشاعر عنيفة من الأسف على ظواهر متخلفة تؤثث كل أرصفة الشهر الفضيل، وجعلت أتأمل مستعملا كل الأدوات التي أتمكن منها في مجال العلوم النفسية والسلوكية، واهتديت إلى أن الناس لا تخرج في هذا الشهر عن أمرين محدودين، إما أن تكون تصرفات المرء في رمضان كجائع أو كصائم.
الجوع إحساس غريزي بالحرمان من الأكل والشرب نشترك فيه مع الحيوانات، وهو شعور مكروه ومؤلم، ويقال في الأثر: «الجوع بئس الضجيع». تصرفات الجائع تتلخص في كل ما من شأنه أن يقلل الإحساس به والسعي إلى إنهائه في أقرب الآجال. فالجائع إما أن يلجأ إلى النوم حتى يغيب عن الواقع ويغرق في الوسن اللذيذ، أو يحافظ على ما بقي له من طاقة بالكسل وإرجاء كل نشاط إلى ما بعد شهر الجوع، عفوا شهر رمضان.. فهو متذمر ومتمرد ومتضايق وينفلت من عقاله كلما لذعته عضة الجوع ولسعته شوكة العطش، فيغضب ويرغي ويزبد. ولإحساسه بالحرمان فهو، في الغالب، إذا كان فقيرا يحقد على الأغنياء والمنعمين ويتمنى لو تزول عنهم تلك النعم ليحظى بها لوحده. وسعيا منه إلى إنهاء مرحلة الجوع، يقتني المأكولات بلا حساب ويبالغ في الإعداد لما يملأ به المائدة مما لذ طعمه وطاب مذاقه، بل ومستعد للاقتتال من أجل تلك اللقمة، ولو اقتضى الأمر أن ينتزعها من فم الأسد لما تردد هنيهة في ذلك.
أما الصوم فهو عبادة راقية تزكي صاحبها وتقيه مصائب الجوعى، فالصائم يقبل على الصيام مختارا مقتنعا راضيا منشرحا مؤمنا صابرا ومحتسبا، يفقه الإرادة الحقة فيحسن الإدارة النزيهة ويعي جيدا الفرق بين الغنى بالشيء والغنى عن الشيء، يفكر في الجائعين كلما انقبضت معدته الفارغة ويكرم المحرومين كلما جف ريقه، فهو ثائر ضد سياسات التجويع الممنهجة لخلق الله، ومنتفض رافض للتبذير والبذح والإسراف وإكرام القمامات، ويؤثر على نفسه ويقتصد في معيشته ويزهد في ملذاته المباحة، ويغلق أبواب الغرائز ليشرع باب النفس على سماء خالقها، فينهل النور الفياض من كل أرجائها الرحيبة ويقبل على القرآن ليتغذى من مائدته الغنية بفيتامينات الروح ويتجرع منه أقراص الدواء لكل أسقام القلوب، فيرتقي إلى درجة الملائكة وينأى عن طبيعته الحيوانية الطينية.
لقد قامت الدنيا في بلدنا ولم تقعد يوم هدد شباب نكرات بالإقدام على الإفطار علنا بالتهام سندويتشات في الشارع العام. واليوم، لا يكترث أغلبنا لمناظر كالتي جرت أمامي اليوم في السوق، وهي تحدث بشكل متكرر ومزمن طيلة رمضان، وهو إفطار جماعي وعلني في واضحة النهار بلا خجل ولا وجل بالسكاكين والكلام البذيء..
الصوم الحقيقي كفيل لوحده بأن يعالج أمراضنا الاجتماعية وينهض بتخلفنا الخلقي والحضاري، ولن نفلح إلا بتربية أجيال المستقبل على روح رمضان الحقيقي.
اللهم اجعلنا من الصائمين ولا
تجع
لنا من الجائعين.
طعم العسل
طعم العسل
مدير المنتدى
مدير المنتدى

عدد المساهمات : 225
تاريخ التسجيل : 10/08/2009

https://dikrayat.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى